افتتاح مسبح عمومي بمراكش يثير الجدل
عبد اللطيف سحنون: مراكش
شهد المسبح البلدي بمدينة مراكش، وتحديدًا في منطقة باب الخميس، افتتاحًا طال انتظاره.
افتُتحت الأبواب كما لو أنها تنفست بعد خنقة طويلة، وبدت العشرة دراهم ثمناً زهيدًا لحلم قديم في مدينة تغلي تحت شمس الصيف وتفتقر لمتنفسات عمومية تحفظ كرامة الجسد.
بدا في البداية وكأن شيئًا من العدالة الاجتماعية يتحقق ولو بالحد الأدنى، لكن ما إن نزل الماء إلى الحوض، حتى بدأت الفوضى تطفو على السطح. ما حدث بعد أيام قليلة لا يمكن اختصاره بسلوك طائش لمراهقين، بل هو صورة مركبة لفشل إداري، ولامبالاة رسمية، وانهيار متكرر في فهم معنى الخدمة العمومية، تهور أمام أعين الجميع، واستهتار يُسائل الجميع، من حراس أمن الخاص مفترضين إلى مسؤولي جماعة صوّتوا على الفتح دون أن يصوّتوا على الحماية.
المراهقون الذين اتُّهموا بارتكاب “سلوكيات مشينة” هم أنفسهم ضحايا غياب البدائل، ضحايا الفراغ والحرمان والتهميش.
فهل ننتظر منهم الهدوء والالتزام بالقوانين في مسبح بلا إشراف، في مدينة تعاقبهم بالصمت والتجاهل؟ كيف يمكن الحديث عن الأمن في مرفق عمومي لا يتوفر على كاميرات مراقبة، ولا حراس مؤهلين، ولا حتى إشارات تحذيرية؟ ثمّة من سيرى في ما يحدث مجرد انزلاقات شبابية، لكن الحقيقة أن الحادثة كشفت من جديد هشاشة البنية الذهنية لمفهوم “المرفق العمومي” في هذا البلد.
فتح مسبح ليس مجرّد قرار بلدي، بل عقد ثقة بين المواطن والإدارة. وإذا غاب التخطيط وغاب التأطير، فستغرق النوايا الحسنة في قاع المياه، وتتحوّل المرافق من فضاءات للراحة إلى مسارح محتملة للمأساة.
غير بعيد عن المسبح، وفي حي باب دكالة، لا يجد الأطفال غير نافورات المدينة ليغسلوا بها تعب الحر، أو يبحثون عن سدود وأودية قد تبتلعهم في أية لحظة.إنها صورة أخرى للتمييز المجالي الذي يفضح أن “الجهوية المتقدمة” ما تزال حبراً على ورق.
كيف يُعقل أن تظل أحياء بأكملها دون مرفق ترفيهي واحد يليق بكرامة سكانها؟ أهي صدفة أن تتركز الخدمات في جهات دون أخرى، أم أنه منطق الريع حتى في توزيع الماء؟الصيف في مراكش لا يرحم، والمراهقون لا يملكون مكيفات هوائية ولا امتيازات عضوية في مسابح النخبة.
كل ما يملكونه هو جسد يبحث عن ظل وماء، في مدينة تنمو عمرانياً وتتقلص إنسانياً. والمسابح العمومية ليست رفاهًا، بل ضرورة صحية وتربوية وأمنية.في الوقت الذي تنتظر فيه الأسر من الجهات المسؤولة تحركًا عاجلاً، لا بد أن يُطرح السؤال المؤلم: متى سنتعامل مع الإنسان كأولوية، لا كعبء؟ ومتى يفهم أصحاب القرار أن فتح المرافق بدون تأطير ليس إنجازًا، بل مقامرة بحياة الناس؟ في انتظار الجواب، يبقى الحذر هو سيد الموقف، والخوف رفيق كل أمّ ترسل ابنها إلى مسبح قد لا يعود منه إلا بكسور، أو في أسوأ السيناريوهات، بغياب لا رجعة فيه.
Share this content:
إرسال التعليق