المدير داخل المدرسة العمومية: وضع قانوني غامض وعراقيل إدارية خانقة رغم عقود من تحمل مسؤولية التسيير
كريمة دهناني
على الرغم من مرور ما يقارب خمسة عقود على إحداث منصب إدارة المؤسسات التعليمية العمومية بالمغرب، ما يزال الوضع القانوني للمدير يكتنفه الغموض داخل المنظومة التربوية، في وقت تتحمّل فيه هذه الفئة مسؤوليات واسعة تتجاوز في كثير من الأحيان صلاحياتها الفعلية. فمنذ السبعينيات، وتحديداً منذ سنة 1975، ظل المدير القلب النابض للمؤسسة التعليمية والمسؤول الأول عن تدبير شؤونها البيداغوجية والإدارية والمالية، غير أن الإطار القانوني المنظم لهذه المهام بقي غامضاً وغير منصف، رغم استحداث إطار المتصرف التربوي سنة 2015.
مسؤوليات ثقيلة وصلاحيات محدودة
يؤدي مديرو المؤسسات التعليمية مهاماً متعددة تشمل:
تدبير الحياة المدرسية وشؤون التلاميذ؛
الإشراف على الأطر التربوية والإدارية؛
تنفيذ البرامج والمذكرات الوزارية؛
ضمان السير العادي للدراسة؛
تمثيل المؤسسة أمام الشركاء والسلطات؛
تدبير الموارد البشرية والمالية؛
معالجة الإشكالات اليومية والمستعجلة.
ورغم ثقل هذه المسؤوليات، لا يتمتع المدير بصلاحيات واضحة أو كافية، إذ يجد نفسه في كثير من الأحيان خاضعاً لتوجيهات متعددة المصادر (الأكاديمية، المديرية الإقليمية، المفتشون…)، ما يساهم في ضبابية مهامه وتعقيدها.
غياب الاعتراف بالمدير كإطار قيادي داخل المؤسسة
على الرغم من أن المدير يمارس مهام القيادة والتسيير منذ عقود، إلا أن المنظومة الإدارية لم تمنحه بعد الاعتراف الكامل كإطار مستقل، سواء تعلق الأمر:
بمدير الإسناد القادم من التدريس، أو
بمدير المسلك خريج مراكز التكوين.
وفي الحالتين، يظل المدير في منطقة وسطى غير واضحة: لا هو إداري كامل الصلاحيات، ولا امتداد صريح وممثل فعلي لمصالح المديرية على أرض الواقع وبالممارسة اليومية ، مما يجعله عرضة للازدواجية والتضارب في المهام.
عراقيل يومية تعمق معاناته المهنية
يواجه المديرون مجموعة من الإكراهات التي تؤثر بشكل مباشر على أدائهم، من أبرزها:
- غياب المساعدين الإداريين والتربويين
يتحمّل المدير عبئاً هائلاً من الوثائق والمراسلات والتقارير دون وجود طاقم مساعد كافٍ، مما يجعله يقوم بأعمال تقنية ليست من صميم دوره القيادي.
- تضارب التعليمات وتعدد مصادرها
تتناوب على المدير تعليمات صادرة عن المفتشين، المديرية، الأكاديمية، والجماعات المحلية، وغالباً ما تكون متناقضة أو غير مفصلة، الأمر الذي يخلق ضغطاً مهنياً متواصلاً.
- تحميله مسؤوليات دون منحه صلاحيات
يحاسَب المدير على نتائج المؤسسة، بينما لا يُمكَّن من:
اختيار فريق العمل؛
اتخاذ قرارات تأديبية فعالة؛
تدبير الميزانية بمرونة كافية؛
التحكم في الزمن المدرسي.
- غياب حماية قانونية واضحة
يظل المدير في الواجهة أمام أولياء الأمور والسلطات المحلية والجماعات، دون توفر إطار قانوني يحميه أو يضمن له تغطية مؤسساتية كافية.
- عدم الاعتراف المؤسسي بصفته كمدير
حتى وقت قريب، كانت الوثائق الإدارية لمديري الإسناد تشير إلى أنهم “أساتذة مكلفون بالإدارة”، مهما كانت أقدميتهم، قبل أن يتم إدماجهم في إطار المتصرف التربوي.
غير أن الواقع يكشف أنهم يمارسون فعلياً مهام “رئيس مؤسسة” بكل أبعادها القيادية، في تناقض واضح بين المهام والوضعية القانونية.
بين مدير الإسناد ومدير المسلك… اختلاف المسار لا يلغي وحدة المعاناة
رغم اختلاف مسار الولوج إلى المهمة:
مدير الإسناد يعتمد على تجربة ميدانية طويلة؛
مدير المسلك يعتمد على تكوين أكاديمي متخصص؛
إلا أن كليهما يواجهان الإشكالات نفسها: غياب إطار قانوني دقيق، نقص الصلاحيات، وتراجع الاعتراف المؤسسي بالدور المحوري الذي يضطلعان به داخل المدرسة العمومية.
الإدارة التربوية تحتاج إلى إصلاح جذري
تعاظم دور المدير اليوم يستوجب:
إخراج إطار قانوني واضح يكرس المدير كقائد تربوي وإداري؛
تمكينه من صلاحيات تتناسب مع حجم مسؤولياته؛
توفير موارد بشرية مساعدة قارة؛
ضمان حماية قانونية ومهنية؛
توفير تكوين مستمر في القيادة والتدبير؛
تحديد موقع المدير داخل هرم إداري ثابت ومعترف به.
خلاصة
لقد أثبت المدير، منذ عقود، أنه ركيزة أساسية في المدرسة المغربية، وأن سير المؤسسات التعليمية لا يمكن أن يتحقق دون قيادته اليومية. غير أن استمرار غياب الاعتراف القانوني الواضح بدوره يظل ثغرة كبيرة في مسار إصلاح التعليم. ومن دون تمكين المدير من إطار قانوني واضح وصلاحيات فعلية، سيظل الحديث عن مدرسة الجودة مجرد هدف معلّق لم يتحقق بعد
مطالب ملحة بالتحفيز المادي والتشجيع المعنوي
امام حجم الضغوط اليومية التي يتحملها المدير، بات من الضروري إقرار نظام تحفيزي عادل يضمن للمديرين حقوقهم المادية والمعنوية. فالمهام المتعددة والضاغطة التي ينجزونها تستوجب تعويضات مالية تتناسب مع حجم المسؤولية وساعات العمل الطويلة، إلى جانب تمكينهم من تحفيزات مرتبطة بالأداء تشجعهم على تطوير المؤسسة وتحقيق النتائج المرجوة. كما أن الجانب المعنوي لا يقل أهمية، إذ يحتاج المدير إلى الاعتراف الرسمي والمجتمعي بدوره القيادي، وإلى خطاب مؤسساتي يدعم مكانته داخل المنظومة، مع توفير بيئة عمل تحترم مجهوداته وتقدر تضحياته. إن تعزيز الوضع المادي والمعنوي للمدير هو شرط أساسي للارتقاء بالإدارة التربوية وتحسين جودة التعليم
Share this content:


إرسال التعليق