جيل يطلب الحياة… وتأملات ما بعد الواقعة

جيل يطلب الحياة… وتأملات ما بعد الواقعة

بقلم: خليفة الشحيمي

لا يمكن العودة إلى سيناريو الأحداث الماضية بقدر ما يمكن التوقف عند بعض الجوانب المجتمعية الأساسية التي تستحق التأمل.
ففي سبتمبر من عام 2011، شهدت الساحة الجمعوية مبادرة رائدة أطلقتها جمعية الكتّاب، التي كان الكاتب (العبد لله) يتولى تسييرها آنذاك. وقد تقدمت الجمعية إلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بمشروع ثقافي طموح تحت عنوان:
“إحداث فضاءات ثقافية داخل الأحياء الشعبية”،
وذلك في إطار تعاون وشراكة مع الوداديات، بدل الاقتصار على الجمعيات التي كانت محدودة العدد في تلك الفترة.

الفكرة انطلقت من اتفاق مع رؤساء الوداديات على تخصيص مقرات لتحويلها إلى مكتبات أحياء، تُزوّد بالكتب المستعملة وتُوضع رهن إشارة تلاميذ الحي وساكنته، بهدف تشجيع القراءة، وتقريب الكتاب من المتعلمين، وتيسير تبادل الكتب بين رواد الحي.

وبالفعل، تم تقديم المشروع أمام مسؤولي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، الذين استحسنوا الفكرة وأبدوا إعجابهم بها، غير أن القانون المنظم للمبادرة كان آنذاك يركّز على دعم التعاونيات والمشاريع المدرة للدخل، في حين لا يُدرّ المشروع الثقافي دخلاً مالياً، مما جعل دعمه يعتبر في نظر بعضهم أشبه بـ”خُضرة فوق طعام”.

لكن السؤال الذي ظل مطروحاً هو:
ما الذي كان ينقص فعلياً لإنجاز هذا المشروع القرائي؟

فالمقرات التي تم العثور عليها كانت في حاجة إلى إصلاحات بسيطة وتجهيزات محدودة تشمل خزانة، وكراسي، وبعض الطاولات، إضافة إلى اقتسام سومة كراء المقرات مع أصحابها. ولو وُجدت إرادة لدى بعض الجمعيات الثقافية التي تشترك في نفس الهم للنهوض بالفعل القرائي، وتم تعميم التجربة على مجموعة من الأحياء، لكنا اليوم أمام مشروع ثقافي نموذجي ساهم في توسيع المجال الثقافي، والحد من بعض الظواهر السلبية التي تعرفها الأحياء الشعبية.

هذا التصور يقودنا إلى الحديث عن الشباب المحتج سلمياً، الذين يمثلون جزءاً من نسيجنا المجتمعي، بل هم أبناء هذا الوطن، ويحتاجون منا الرعاية والاحتضان، سواء كآباء أو كمثقفين وفاعلين مدنيين، أو حتى من طرف المسؤولين. فالمسؤولية هنا جماعية، خاصة إذا ما استوعبنا سقف مطالبهم وتفهمنا توجهاتهم كجيل مختلف عنا في أسلوب التفكير والرؤية إلى الحياة.

إنه جيل يؤمن باللحظة التي يعيشها، يتسم بالاندفاع والتسرع، يرفض الشعارات الجوفاء، ويعبّر عن مواقفه من كل ما هو تقليدي.
مطالبه التي رفعها — في حقيقتها — هي حقوق أساسية، تأتي في سياق الحق في الحياة، وضمنه الحق في الصحة والتعليم، والتعليم بالذات باعتباره السبيل إلى الجودة والتأهيل وبناء المستقبل.

وفي هذا السياق، نستحضر مقطعاً فلسفياً بليغاً من كتاب “النبي” لجبران خليل جبران، يقول فيه:

“أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم ولكن ليس منكم، ومع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكًا لكم.”

هذا القول يلخّص فلسفة العلاقة بين الأجيال، فالأبناء كائنات مستقلة تمتلك أفكارها ومسارها الخاص، ودور الآباء والمربين والمجتمع هو التوجيه والدعم والمرافقة، لا السيطرة أو الفرض.


Share this content:

إرسال التعليق

تسليط الضوء