×

لفتيت: قاهر الفساد واستغلال النفوذ والعشوائيات واحتلال الملك العمومي… رجل وفي للرؤية الملكية

لفتيت: قاهر الفساد واستغلال النفوذ والعشوائيات واحتلال الملك العمومي… رجل وفي للرؤية الملكية

بواسطة: خالد اخازي

عبد الوافي لفتيت… رجل الدولة الذي هزّ كسل المؤسسات لو كنا في زمن سياسي نمنح فيه الألقاب كما تُمنح الأوسمة، لكانت وزارة الداخلية تحت قيادة عبد الوافي لفتيت هي “وزارة السنة”، بل وزارة العقد.

فقد انتشل الرجل هذا الجهاز من جمود البروتوكول، إلى دينامية الميدان، ومن ضبابية المفهوم، إلى وضوح الرؤية الملكية. الداخلية في ثوب المواطنة منذ توليه، لم يكن لفتيت مجرد “وزير تقنوقراطي” كما أرادت بعض الأبواق اختزاله، بل كان تجسيدًا حيًا وفاعلًا للمفهوم الجديد للسلطة كما أراده جلالة الملك محمد السادس: سلطة مواطِنة، مبادرة، نزيهة، قاطرة للتنمية، لا مجرد جهاز للضبط والتنظيم.

لقد نقل وزارة الداخلية من خانة “الرهبة” إلى فضاء “الخدمة العمومية”، من هاجس الهيمنة إلى منطق الحكامة. فصارت الجماعات تُحاسب، والمجالس تُراقب، والمشاريع تُواكب، والتنمية لا تُحتكر باسم الزبونية ولا تُختزل في جغرافيا المحظوظين.

حرب ناعمة… وحاسمة لفتيت لم يخض معاركه في المنابر، بل في الميدان. اختار طريقًا صامتًا لكنه نافذ. حين حرّر الملك العمومي، لم يفعل ذلك خضوعًا لضغط افتراضي، بل تنفيذًا حازمًا لتوجيه ملكي جوهري: القانون فوق الجميع.

لم يميّز بين بائع متجول ونافذ يحتل الرصيف، بل استرجع هيبة الدولة دون دموع ولا دم. لم يثر الزوابع، لكنه أزاح كثيرًا من الفوضى التي كانت مغطاة بعباءة العجز أو المصلحة.

أنشأ دينامية جديدة لرجال السلطة، دفعتهم إلى النزول للميدان بدل انتظار “الإشعار من فوق”، وربط المسؤولية بالمحاسبة، لا بالشعارات. الوزير الذي يزعج الفوضى في زمن بات فيه بعض الوزراء يُراكمون الصور لا الأثر، كان لفتيت يراكم التحوّلات لا العناوين.

ولهذا لم يكن غريبًا أن تطاله الإشاعات: إعفاء، تعديل، غضب… والحقيقة أن كل هذه “الحملات” كانت مؤشرا على شيء واحد: أنه نجح في لمس الجرح، وكشف الريع، وواجه الامتيازات التي تأكل من جسم الوطن.

ولأن الإصلاح لا يمرّ عبر المجاملة، فقد واجه جيوب المقاومة التي لم تغفر له إلغاءها من معادلات السلطة المحلية أو تضييقها عليها في امتيازات كانت مستباحة لعقود.

الداخلية… في قلب التحولات في عهده، تحوّلت وزارة الداخلية إلى مرآة للإصلاح الحقيقي. فقد قادت مشاورات تنزيل الجهوية، وضبطت اختلالات الميزانيات الجماعية، وكانت شريكًا محوريًا في برنامج “أوراش”، ورافعة لبرامج اجتماعية ترابية شاملة.

لم يكن الوزير في برجه العاجي، بل في صلب تفاصيل الدولة: من تتبّع المشاريع الملكية، إلى فضّ نزاعات الأراضي، إلى ضبط حركة التعمير، إلى محاربة البناء العشوائي، إلى تنظيم العمليات الانتخابية… كل ذلك بلا بهرجة، ولا احتكار للضوء، بل بصمت الدولة الجادة.

من الصدق… إلى الصدارةلم يكن عبد الوافي لفتيت مرشحًا يومًا للنجومية الإعلامية، لكنه وجد نفسه في صدارة النجاعة المؤسساتية. لقد فهم جيدًا أن الرهان اليوم لم يعد على “الوجوه”، بل على الأثر، على البناء، على كسب ثقة المواطن في الدولة، لا في الوزير.

لقد قدم نموذجًا نادرًا لوزير لا يعشق الكاميرا، ولا يهاجم الخصوم، ولا يتصالح مع الفوضى. رجلٌ يسير بثقة، ويدير بمنهج، ويتصرف بهدوء مَن يعرف أن الدولة لا تُدار بالانفعال، ولا تُبنى بالعناوين.

ليس غريبًا أن يراهن عليه الملك في أكثر الوزارات حساسية. وليس غريبًا أن تحقّق الداخلية في عهده ما عجزت عنه تحالفات وازنة. فالرجل ليس وزيرًا فقط، بل رجل دولة بكل ما تحمله الكلمة من شرف، وكفاءة، وغيرة وطنية.

وفي زمن السرديات المتهافتة، والبطولات المصطنعة، يبقى عبد الوافي لفتيت عنوانًا لجدية الدولة وصرامة الإصلاح، لا شعارًا موسميا، ولا ديكورًا بروتوكوليًا.

إنه صورة لما يجب أن تكون عليه القيادة العمومية حين تضع المغرب أولًا، لا المجاملة، ولا الحزب، ولا الحسابات الصغرى.

متابعة: عبد اللطيف سحنون

Share this content:

إرسال التعليق