آسفي تتضامن مع نفسها: حين تتحول محنة المدينة إلى درس في الكرامة وعزة النفس
كريمة دهناني
في مشهد إنساني بليغ، جسّدت مدينة آسفي درسًا عميقًا في الكرامة وعزة النفس، حين اختارت أن تواجه محنتها بروح التضامن الداخلي دون انتظار طوق نجاة من الخارج. فخلافًا لما اعتاده المغاربة في مثل هذه الكوارث من تدفّق قوافل المساعدات القادمة من مدن أخرى، وجدت آسفي نفسها هذه المرة تعتمد على أبنائها، وتبرهن أن قوة المدينة تكمن في تماسك أهلها.
فقد بادر بحارة وتجار السمك ومهنيو الصيد الساحلي العاملون بميناء آسفي، بدافع الغيرة الصادقة على مدينتهم المنكوبة، إلى إطلاق حملة تبرعات استثنائية أسفرت عن جمع أزيد من 70 مليون سنتيم في زمن وجيز. خطوة تلقائية ونبيلة، عكست حسًا عاليًا بالمسؤولية الجماعية، ورسّخت ثقافة التكافل التي طالما ميّزت أبناء المدينة.
هذه المبادرة لم تكن مجرد دعم مادي، بل رسالة قوية مفادها أن خير البحر لا ينسى أهل البر، وأن رجال البحر، الذين عاشوا دومًا على إيقاع العطاء والصبر، كانوا في الموعد حين احتاجتهم مدينتهم. كما أكدت أن آسفي، التي اعتادت أن تكون سبّاقة لمدّ يد العون لغيرها في أوقات الشدة، قادرة اليوم على تضميد جراحها بسواعد أبنائها وإرادتهم الحرة.
إن ما حدث في ميناء آسفي يعيد الاعتبار لقيم التضامن المحلي ويؤكد أن الكرامة الحقيقية تتجلى حين يتحمل المجتمع مسؤولية نفسه بنفسه. هكذا تثبت حاضرة المحيط مرة أخرى أنها مدينة لا تنكسر، وأن عزتها متجذرة في قلوب رجالها ونسائها، القادرين على تحويل الألم إلى فعل نبيل، والمحنة إلى درس في الوفاء والانتماء.
Share this content:


إرسال التعليق