ارتفاع طلاق الشقاق… وعي جديد أم ثورة على المجتمع؟
بقلم كريمة دهناني
شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في حالات طلاق الشقاق التي تطلبها النساء، وهو ارتفاع لا يمكن قراءته بمعزل عن التحولات الاجتماعية العميقة التي تعيشها الأسرة المغربية. فخلف هذه الأرقام تكمن حكايات طويلة من الصمت، والتظاهر بالتماسك، ومحاولات يائسة لإنقاذ حياة زوجية تفتقد أهم أسباب الاستمرار: الاحترام، والطمأنينة، والسكينة.على مدى عقود، كانت الكثير من النساء يعشن “أدواراً” داخل بيوتهن. أدواراً تؤديها الزوجة تحت ضغط مجتمع لا يسمح بالاعتراف بالضعف، ولا يتسامح مع التعبير عن الألم. نساء يتقنَّ التمثيل: يبتسمن رغم الجراح، يتظاهرن بالسعادة رغم انكسار الروح، ويواصلن الحياة في “عش” لا يحمل من معنى الأسرة إلا شكله، بينما يغيب عنه جوهرها: المودة، الرحمة، والاحساس بالأمان.كان العطش العاطفي والجوع الروحي جزءاً من اليوميّات الخفية لكثير من الزوجات، لكنه بقي حبيس الصدور. فالمجتمع لطالما تعامل مع المرأة خارج إطار الزواج على أنها ضعيفة أو ناقصة أو فاقدة للقيمة. ولذلك قبلت نساء كثيرات بالاستمرار في علاقات منهكة فقط كي يحتفظن بلقب “زوجة” الذي يحميهن من قسوة الأحكام الجاهزة ونظرات المجتمع القاسية.لكن الصورة اليوم تتغير. لم تعد النساء يقبلن بالتمثيل أو العيش في زواج بلا حياة. هناك وعي جديد، وربما ثورة صامتة، تُعيد المرأة إلى مركز ذاتها. ثورة تقول: الكرامة قبل الزواج، والراحة النفسية قبل إرضاء المجتمع.إن ارتفاع طلاق الشقاق ليس انهياراً للأسرة بقدر ما هو انفصال عن ثقافة الصمت. إنه إعلان عن نهاية مرحلة كانت فيها المرأة تُدفن وهي على قيد الحياة، فقط خوفاً من لقب “مطلقة”. فالمجتمع الذي كان يرى في المطلقة امرأة منبوذة أو ضعيفة، يشهد اليوم نساءً يواجهن قرار الطلاق بثبات، لا هروباً بل حفاظاً على ما تبقى من ذاتهن.فالترمّل قضاء إلهي، والبوار نصيب، لكن الطلاق قرار. قرار أصبح كثير من النساء يتخذنه وهنّ واعيات، قويات، وصامدات. لم يعد الطلاق دليلاً على الفشل، بل أصبح في كثير من الأحيان دليلًا على الشجاعة، وعلى رفض حياة بلا قيمة أو احترام.إن ما نعيشه اليوم ليس مجرد ارتفاع في الأرقام، بل تغيّر في الوعي. فحين تختار المرأة الخروج من زواج يُهين إنسانيتها، فهي لا تختار الخراب، بل تختار الحياة.
Share this content:


إرسال التعليق