المجلس الأعلى للسلطة القضائية يُعفي وكيل الملك بمكناس: قرار تنظيمي أم رسالة مؤسسية؟
عبد اللطيف سحنون
و فق مصادر محلية، و في خطوة لافتة تعكس يقظة المؤسسة القضائية المغربية وسعيها المستمر لضبط أداء أجهزتها التنفيذية، قرر المجلس الأعلى للسلطة القضائية مؤخرًا إعفاء الأستاذ عبد الرحمن الخلوفي من مهامه كـوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بمكناس، مع وضعه رهن إشارة سلطات النيابة العامة، وتعيين خالد بنهاشم خلفًا له، وهو قاضٍ مشهود له بالكفاءة سبق أن شغل المنصب نفسه بالمحكمة الابتدائية بآزرو.
السياق المؤسسي للقرار:
وفقًا لما أفادت به مصادر متطابقة نقلًا عن وسائل إعلام محلية موثوقة مثل الحدث تيفي وهبة بريس و*MeknesPress، و تمغربيت 24 فإن القرار صدر بعد أن تداول المجلس في “وضعيات مسؤولين قضائيين”، و”رعاية لما اقتضته المصلحة القضائية”. وهي عبارة تكشف عن تعبير دقيق يحيل على صلاحيات المجلس في تقييم مردودية المسؤولين القضائيين، وضمان حسن تدبير المؤسسات القضائية بالمملكة.
من الإعفاء إلى التعيين: ماذا نقرأ في التفاصيل؟
لم يصدر المجلس الأعلى أي بلاغ رسمي يُفصّل دوافع الإعفاء أو يُشير إلى خروقات مهنية أو تأديبية، وهو ما يُفهم منه أن القرار يأتي ضمن حركة تنظيمية داخلية عادية تروم تجديد الدماء وضمان انسجام أكبر في عمل النيابات العامة.
ومن المهم التنبيه إلى أن إعفاء الخلوفي لم يكن مرفقًا بإجراء تأديبي، بل جرى التعامل معه وفق ما يقتضيه التنقّل الإداري الطبيعي في دواليب الدولة.
تعيين خالد بنهاشم، وهو قاضٍ يتمتع بخبرة معتبرة، خلفًا للخلوفي، يُظهر حرص المؤسسة القضائية على تعويض المنصب بشخصية مهنية مشهود لها بالصرامة والالتزام، حيث سبق لبنهاشم أن تقلد مناصب مهمة كنائب وكيل الملك بمحكمة الدار البيضاء الزجرية، قبل أن يُعيّن وكيلاً بمحكمة آزرو، ويُنسب إليه حسن تدبير الملفات وقربه من هموم المتقاضين.
عبد الرحمن الخلوفي: من المحنة إلى التضامن القضائي
جدير بالذكر أن الأستاذ الخلوفي كان قد تعرّض في الفترة الأخيرة لحملة ممنهجة على منصات التواصل الاجتماعي، قادتها قناة يوتيوب نشرت أكثر من 30 مقطعًا تُشهّر به، مما دفع نادي قضاة المغرب إلى إصدار بيان رسمي عبّر فيه عن “تضامنه الكامل مع الخلوفي ونائبه”، مؤكدًا على ما يتمتعان به من “نزاهة وتفانٍ في أداء مهامهما القضائية”.
هذا التضامن القضائي لم يكن مجرد مجاملة، بل يُمثّل دفاعًا مؤسسيًا عن شرف القضاء واستقلاليته، في وجه محاولات التأثير الإعلامي أو الابتزاز السيبراني الذي يطال بعض القضاة الذين لا يُسايرون رغبات لوبيات المصالح.
قراءة في منهج المجلس الأعلى: ضبط لا عقاب
إن المجلس الأعلى للسلطة القضائية لا يُمارس الرقابة العقابية على القضاة، بل يعتمد على رؤية إصلاحية ومهنية تسعى لتطوير الأداء القضائي وتحقيق الجودة في الخدمة العدلية. وفي هذا السياق، فإن قرارات الإعفاء لا يجب أن تُفهم دومًا كعقوبات، بل كجزء من عملية داخلية لتدوير النخب القضائية وفق المردودية والكفاءة.
ويُمكن اعتبار إعفاء الأستاذ الخلوفي وتعيينه رهن إشارة سلطات النيابة العامة بمثابة إعادة تموقع داخل هرم النيابة وليس تراجعًا في المسار، لا سيما في غياب أي مؤشرات على تقصير أو إدانة مهنية.
السلطة القضائية: ترسيخ للاستقلال وشفافية القرار
إن حركة التعيينات والتنقيلات الأخيرة التي باشرتها السلطة القضائية، ومنها هذا القرار، تعزز منطق الاستقلال المؤسساتي الذي نص عليه دستور 2011، والذي جعل من المجلس الأعلى للسلطة القضائية الجهة الوحيدة المخولة بالإشراف على المسارات المهنية للقضاة، في قطيعة مع منطق التعليمات الإدارية.
إن قراءة هذا القرار في سياقه الصحيح تؤكد أن المجلس يُمارس صلاحياته باحترافية، متحريًا في قراراته المصلحة القضائية العامة لا الشخصية، وهو ما يُعتبر ضمانة لاستمرار الثقة الشعبية في جهاز العدالة بالمغرب، وتحصينًا له من العبث الإعلامي أو الضغط.
يُمثل هذا الحدث القضائي علامة دالة على نضج المؤسسة القضائية المغربية، وقدرتها على تدبير انتقالات حساسة بمهنية وهدوء.
فبين التضامن المهني مع الخلوفي، والتعيين الكفء لبنهاشم، يتأكد أن السلطة القضائية تسير بثبات نحو ترسيخ منظومة قائمة على الاستحقاق، الأداء، والرقابة الذاتية.
وهنا يحق لنا أن ننتصر للمؤسسات لا للأشخاص، وأن نثمّن كل قرار يُفضي إلى تعزيز مبدأ “القضاء في خدمة المواطن” ضمن فلسفة جديدة عنوانها: الشفافية، الاستقلال، والتجديد.
Share this content:
إرسال التعليق