مراكش الحاضرة المخدوعة: مشروع بـ6.3 مليار درهم يتحول إلى فشل تنموي وصفقات غامضة
عبد اللطيف سحنون: مراكش
كشف تقرير صادر عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان – فرع المنارة مراكش، واقعًا صادمًا حول مشروع “مراكش الحاضرة المتجددة” الذي أُطلق سنة 2014 بميزانية ضخمة تفوق 6.3 مليار درهم. التقرير، الذي استند إلى معطيات ميدانية وتصريحات رسمية، يؤكد أن المشروع لم يحقق أهدافه التنموية والاجتماعية، بل تحول إلى واجهة انتخابية، وسياج دعائي، وغطاء لتمرير صفقات عقارية غامضة وسط غياب شبه تام للمحاسبة.وحسب معطيات التقرير، فقد تم الترويج لنسب إنجاز بلغت 98% في بعض التصريحات الرسمية، بينما تحدثت جهات أخرى عن 67% فقط، في حين كشفت المعاينات الميدانية عن توقف عدد من الأوراش الحيوية وتعثر أغلب المكونات الأساسية للمخطط.
وفي هذا الصدد تم التعهد بإنجاز 40 مؤسسة تعليمية، لكن لم يُنجز فعليًا سوى 12 منها، فيما ظلت 28 منشأة متوقفة أو غير مكتملة. أما في المجال الصحي، فقد أُعلن عن مستشفيين ومركزين صحيين، لكن لم يُنجز أي منها، في المقابل تم إغلاق مستشفى “سعادة” وبقي مستشفى القرب بالمحاميد بدون تجهيز أو خدمات.
و حسب التقرير ذاته لا تقف مظاهر الفشل عند حدود الأرقام، بل تتجلى أيضًا في النماذج الصارخة لسوء التخطيط، كما هو الحال في مشروع الحافلات الكهربائية الذي لم يستمر سوى بضعة أشهر، رغم تخصيص أكثر من 100 مليون درهم له.اقرأ أيضا…وزان .. حجز 94 ألفا و728 قرصا مخدرا و3 كيلو كوكايينحجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرة حين بلوغ ميقات “رابغ”حادثة قطار مؤسفة سطات- الدار البيضاء: على قيد الحياة لكن بلا قدمين و وفقًا لما جاء في التقرير، فإن المشروع استخدم كأداة “ماركوتينغ سياسي” للتغطية على الإخفاقات وتزييف صورة الإنجاز أمام الرأي العام.
التقرير ذاته يرصد أيضًا ما سماه بـ”العبث العقاري” من خلال تفويت أراضٍ تابعة للمحطة الطرقية العزوزية لشركات خاصة، ونقل ملكية رياض تاريخي مجاور لقصر الباهية لمؤسسة فندقية دون مبررات قانونية واضحة، فضلًا عن تفويت مساحات أخرى في غياب معايير الشفافية.
كما أشار إلى استخدام الخرسانة المسلحة في ترميم السور التاريخي، مما أدى إلى انهيارات بعد ارتجاج أرضي بسيط، وهو ما يشكل خرقًا صريحًا لمعايير اليونسكو بشأن حماية التراث العالمي. وعلى المستوى الاجتماعي، أدان التقرير إغفال إدماج المهاجرين من دول جنوب الصحراء ضمن التصورات الحضرية للمشروع، رغم حضورهم الواقعي في نسيج المدينة، معتبراً ذلك مظهرًا من مظاهر الإقصاء الصامت والتمييز غير المعلن، الذي يتنافى مع المقاربة الحقوقية المعلنة في السياسات العمومية.
في ضوء هذه الاختلالات الخطيرة، طالبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بفتح تحقيق قضائي مستقل وشامل يشمل مختلف مراحل المشروع، وإخضاعه لتدقيق مالي من طرف المجلس الأعلى للحسابات، مع استرجاع العقارات التي تم تفويتها لجهات خاصة بدون مبرر قانوني.
كما شددت على ضرورة تعديل الإطار القانوني للجماعات الترابية بما يضمن إخضاع المشاريع الكبرى للنقاش العمومي، وتقوية آليات الرقابة المدنية والمساءلة.ما كشفت عنه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان – فرع المنارة مراكش، في هذا التقرير الحقوقي المؤسس على معطيات رسمية وملاحظات ميدانية، لا يتعلق فقط بفشل تقني في الإنجاز أو تعثر مؤقت في التنفيذ، بل يمثل انزلاقًا خطيرًا نحو تحويل التنمية إلى شعار أجوف، واستغلال المال العمومي لتجميل الواجهات وتصفية الحسابات الانتخابية، مقابل تدمير فعلي للذاكرة الحضرية، وتضييع لفرص تاريخية كان يمكن أن تُحدث تحولًا نوعيًا في واقع المدينة وساكنتها.
المحاسبة اليوم ليست خيارًا مؤجلًا، بل ضرورة وطنية وأخلاقية، لأن الصمت عن هذا النوع من المشاريع المختلة هو تفريط جماعي في المال العام وفي الثقة العامة، وتواطؤ مع منطق الإفلات من العقاب.
Share this content:
إرسال التعليق