راقٍ يتسبب في موت مريضة بالسرطان حاملة للدكتوراه وزوجة بروفيسور

راقٍ يتسبب في موت مريضة بالسرطان حاملة للدكتوراه وزوجة بروفيسور

عبد اللطيف سحنون

آخر تحديث : الأحد, 2 مارس, 2025

في مشهد يثير الأسى ويجسد التناقض المرير بين العلم والخرافة، طوت المحكمة الابتدائية بالرباط فصلاً مأساوياً من فصول الجهل القاتل، بإدانتها شخصًا يقدم نفسه على أنه “راقي شرعي”، تسبب بجهله في إطفاء حياة امرأة متعلمة، زوجة طبيب أفنى سنوات عمره في دروب الطب، فإذا بها تسقط ضحية أوهام صُورت لها على أنها يقين، ووعود زائفة غلفها الجهل بثوب القداسة.

لم تكن الهالكة مجرد امرأة عادية؛ كانت طبيبة، حاصلة على شهادة الدكتوراه، تدرك تمامًا ما الذي يعنيه السرطان وما يتطلبه علاجه، لكنها – في لحظة ضعف – استسلمت للوهم. حين اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي خلال فترة الجائحة، اختارت أن تتجاهل العلاج العلمي المبني على أدلة وبراهين، واستبدلته بأمل زائف بثه في أذنها رجل ضرير، يزعم امتلاك الشفاء فيما لا يملك حتى القدرة على رؤية خطيئته.

لم يكن الأمر مجرد قناعة شخصية، بل كان نتيجة تلاعب خبيث. فقد أظهرت التحقيقات أن “الراقي” لم يكتفِ بتقديم “وصفاته السحرية”، بل ألحّ عليها بعدم تلقي حصص الأشعة، متسلحًا بكلمات استدرجت عقلها نحو المصير المحتوم.

الرسائل التي أرسلها كانت دليل إدانة، لكنها لم تكن سوى شظايا من جريمة أكبر: جريمة جهل يتغذى على يأس المرضى، ويستغل هشاشتهم النفسية في لحظات ضعفهم. والآن، بعد أن أسدل القضاء الستار على هذه القضية، يبقى السؤال الأكثر إيلامًا: هل كان الحكم الصادر – أربعة أشهر موقوفة التنفيذ وغرامة مالية هزيلة – كافيًا لمحو آثار هذا الجُرم؟ هل يوازي هذا الجزاء فقدان حياة إنسانة، وتحطيم أسرة، وإثبات جديد أن الجهل لا يزال أقوى من العلم في مجتمعاتنا؟

إنه ليس مجرد حكم قضائي، بل شهادة دامغة على معركة خاسرة يخوضها العقل أمام تيارات الوهم. ما جدوى أن تمتلك أرفع الشهادات، إن كان صوت الخرافة أعلى من صوت المنطق؟ وما جدوى أن تُشيد المستشفيات، إن كان “الرقاة” يحظون بثقة تفوق ثقة الأطباء؟مأساة هذه الطبيبة ليست سوى نقطة في بحر واسع من الضحايا، الذين يخسرون حياتهم كل يوم، لأنهم سلّموا أمرهم لمن يبيعهم الأمل الكاذب.

واليوم، ونحن نرثي رحيلها، لا يسعنا إلا أن نتساءل بحسرة: كم من الأرواح الأخرى ستزهق قبل أن ندرك أن الجهل – مهما تغلف بعباءة الدين – لا يمكن أن يكون دواءً، بل هو المرض ذاته؟

Share this content:

إرسال التعليق