قانون ضد الرحمة في المغرب: مفارقة قبل كأس العالم
بواسطة: حسن زاكي
مع استعداد المغرب لاستضافة كأس العالم 2030، يثير مشروع القانون رقم 19.25 جدلاً واسعًا: هل يمكن أن يُجرَّم الفعل الرحيم؟ يقضي القانون بتجريم إطعام أو إيواء أو حماية الحيوانات الضالة،
ما يجعل من الرحمة جريمة، ويعرِّض فاعلها لعقوبات وغرامات، بينما يترك المتوحش بلا محاسبة.في الإسلام، الرحمة قيمة مركزية؛ فقد وردت كلمة الرحمة ومشتقاتها في القرآن الكريم 339 مرة على مدى 313 آية، مما يعكس أهميتها العميقة في العقيدة.
ويحدثنا النبي محمد ﷺ عن امرأة دخلت النار لأنها حبست هرة، لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض، ورجل دخل الجنة لأنه سقى كلبًا يلهث من العطش. فهل يمكن لبلد يفتخر بدستوره الذي ينص على تشبثه بقيم الإسلام السمحة أن يقنّن ما يناقضها؟ وكم طلبنا، ونطلب الرحمة من الله سبحانه في صلواتنا لموتانا، وكم ابتهلنا وسنبتهل إلى الله العلي القدير بأن يُنزل علينا أمطار الرحمة.
ألسنا أصحاب الدعاء: اللهم اسق عبادك وبهيمتك، وانشر رحمتك، وأحيِ بلدك الميت، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، يا أرحم الراحمين؟ وليس الدين وحده من يجعل الرحمة قيمة عظمى، بل حتى الأدب الإنساني الخالد أكد ذلك.
ففي رائعة شكسبير تاجر البندقية، تُوصَف الرحمة بأنها “تنزل كالمطر الرقيق من السماء على الأرض”، وهي بركة للآخذ وللمانح، وأسمى ما يكون في طباع الحاكم والمحكوم، وزينة تتوَّج الرؤوس أكثر من أي تاج ملكي.
فكيف يُحاكم مواطن لأنه جسّد هذه الفضيلة التي هي تاج كل أمة عاقلة؟ كأس العالم ليس مجرد مباريات، بل موعد حضاري وقيمي، يُنتظر فيه من الدول المضيفة أن تُظهر احترامها لحقوق الإنسان والحيوان، وتقدّم صورة متماسكة عن مؤسساتها وتشريعاتها، مستندة إلى مبادئ الاحترام، الروح الرياضية، العدالة، التضامن، والكرامة الإنسانية.
فكيف يتماشى هذا مع قانون يجرّم مواطنًا لأنه أبدى مشاعر إنسانية تجاه كائن ضعيف؟ المفارقة تتضح عند مقارنة المغرب بدول شريكة في تنظيم كأس العالم: إسبانيا تشجع التبنّي الرسمي للحيوانات الضالة وتمنع قتلها العشوائي، البرتغال تدمج مفاهيم الرعاية والرأفة بالحيوان، ألمانيا وتركيا تحتضنان الحيوانات الضالة، والهند تجعل الرفق بالحيوان جزءًا من الثقافة والقوانين.
إن إمارة المؤمنين، كما عرفناها، ليست فقط حماية للدين، بل حماية للمستضعفين، للمعوزين، للأرامل، وحتى للحيوانات. فحين يُجرَّم مواطن لأنه أطعم كلبًا أو سقى قطًا، هل ينسجم ذلك مع هذه الإمارة التي وُجدت لتؤمّن الرحمة والعدل؟
وهل يُعقل أن يُترك من يعذّب الحيوانات بلا محاسبة، بينما يُتابع من يُظهر الرحمة تجاهها؟مشروع القانون رقم 19.25 ليس مجرد نص تشريعي، بل انعكاس للنموذج الذي يريد المغرب تقديمه للعالم: هل نريد أن نُعرَف كدولة تُجرّم الأخلاق والرحمة قبل أن نحتفل بكرة القدم على أرقى المستويات؟
إن الرحمة لا تحتاج إلى قوانين تمنعها، بل إلى قوانين تُشجّعها، وتجعلها تاجًا لكل مواطن وحاكم على حد سواء.فكيف لمن يطلب الرحمة من العلي القدير أن يمنع الرحمة؟—هل ترغب أن أراجع النص أيضًا من الناحية الأسلوبية والبلاغية لجعله أكثر تأثيرًا في الرأي العام، أم تفضّل الاكتفاء بالتصحيح الإملائي فقط؟
Share this content:
إرسال التعليق